[b]أبدا لم يكن لها
د. كريمة مطر المزروعي
أسماء فتاة صغيرة في بدايات العشرين يصلح عليها لقب المتدينة. فمن الصف الرابع الابتدائي ارتدت الحجاب، و من الصف السادس فهمت معنى أن تكون متميزا بأن تكون مسلما حقا، فكانت بارة بوالديها، رحيمة بأخويها، متميزة في دراستها. تمنت أسماء أن تتزوج من إنسان مثلها يحب الدين و يحب الحياة و يحب العمار ويحب كل جميل. و تحقق المراد و تزوجت خالد الذي توسمت فيه سمات الخير و الصلاح. كان الجميع يثنون على التزامه بالمسجد، كما أن هيئته تنم عن الخير و التدين. بعد أسابيع قليلة من الزفاف، طلب خالد منها ترك العمل و التفرغ له و للمنزل. كانت أسماء تحب التدريس و تحب التأثير في شخصية الفتيات الصغيرات و توجيههن و تبصيرهن. حاولت أسماء مرارا أن تثنيه عن طلبه مرة بالحيلة و أخرى بتصنع الزعل دون طائل. كان دائما يذكرها بوجوب طاعتها له ويمطرها بأحاديث عن حق الزوج و طاعته والتي كانت تحفظها بدورها عن ظهر قلب. تركت أسماء الوظيفة ابتغاء أجر طاعة الزوج و حتى تصون بيتها بعد أن زاد الخلاف. بعد فترة، طلب منها خالد أن تعطيه بطاقتها الائتمانية، فمن العيب من وجهة نظر خالد الشخصية أن تدفع المرأة ببطاقتها و الرجل موجود. و من منطق الطاعة و بغية أن تكون المرأة المثالية أعطته البطاقة. أسماء كانت تقرأ عن المرأة المثالية أنها هي التي تطيع الرجل و لا تخالفه، ففهم خالد أصول اللعب. كانت أسماء مشوشة بين أفكار زوجها و التي كانت تظنها تعسفية و بين ما تقرؤه في الكتب عن المثاليات. كان خالد دائما يقول لها أريد زوجة مثالية مطيعة لا ترفع صوتها و لا تكثر الجدال وهذا حقي الشرعي فكانت تشوش أكثر. خالد لم يكن يستيقظ لصلاة الفجر، لم يكن جادا في عمله فكان كل بضعة أشهر في وظيفة جديدة و يدير مشروعا جديدا فاشلا. كان خالد لا ينطبق عليه أن "الدين المعاملة" فكان يتحدث دائما بصوت مرتفع، يحط من الآخرين ليرفع نفسه، يشتم الناس في الشارع خاصة أوقات الزحام، يضرب ابنه على وجهه و لا يصطحبه إلى المسجد إلا نادرا، وكانت ألفاظه معها غير مقبولة دينيا أو اجتماعيا. كان يمنعها من اقتناء التلفاز لأنه فيه الكثير من الفتن بينما كان يذهب مع أصدقائه لدور السينما ويشاهد التلفاز معهم، و عندما تناقشه كان يدعي أنه أقدر على تحمل الفتن و حماية نفسه. كانت أسماء لا تستطيع أن تبوح لمعاناتها لأحد لأن خالد أمرها بذلك كما أن الكتب تقول بأن المرأة المثالية لا تخرج أسرارها للخارج. أدمنت أسماء قراءة الكتب و مواقع الإنترنت التي تعلمها تهذيب سلوكيات زوجها. ولكنها كانت دائما مقصرة من وجهة نظر خالد، فمهما فعلت لا يؤخر شيئا في ميزانها عنده ولا يقدم.عندما كانت تحاوره كان يسفه آراءها، عندما كانت تلبس له الثياب الجميلة كان يسخر من وزنها، وعندما كانت تطبخ له الطعام كان يدعو أصدقاءه دون أن يفكر في إمضاء الوقت معها أو مع طفله. زادت سنوات الزواج و زادت الهوة بينهما و زاد شعورها بالكهولة و الخيبة. كانت تدعو الله كثيرا أن يهدي زوجها. كان منزل أسماء فندقا من الطراز الأول لخالد يأتيه وقت الطعام و النوم. أصبحت تربية الابن مسئولية أسماء الكاملة فكانت هي التي تحفظه القرآن و تعلمه الآداب و دور خالد هو الانتقاد و معايرتها بالتقصير. كان مال أسماء الذي جمعته من سنوات العمل في يد إخوة خالد الذكور فهذا يريد أن يتزوج و الثاني يبني بيتا و الثالث مدين للبنوك. عندما كانت تناقشه في موضوع مالها كان ينعتها بالبخل و يقول أين تشدقك عن واجب الصدقة. كان يغلق عليها كل الأبواب باسم الدين فكانت لا تستطيع الرد أو المقاومة، كيف لا و هي المتدينة التي تريد أن تكون زوجة مثالية كما تقول الكتب. كل تصرفات خالد التي تتعب أسماء يعلقها على شماعة الدين، فلم يكن يسمح لأسماء بخادمة باسم حرمة الخلوة و لآن الخادمة بلا محرم، و بالمقابل كان خالد يتبسط مع النساء بالكلام و المزاح في المحلات التجارية باسم جذبهم للدين و تحسين صورة المتدينين! كان يأمرها بالطبخ لأهله باسم البر، و كان يسافر مع أصدقائه و يتركها فترة طويلة. عندما كانت تطلب منه أن يخرجا سويا كان يرد عليها بأن الدين أمرها أن تقر في بيتها. كانت تتمنى أن يفاجئها بهدية أو وردة فكان يرد عليها بأن عليها الزهد في ا لحياة وعدم النظر لتلك التفاهات، بينما كان يشتري لأصدقائه الساعات و الحواسيب. كانت تتمنى أن تحس بأنها زوجة دون طائل. و في يوم أغبر، أتاها ليخبرها بأنه يريد الزواج فالزمان زمان فتنة و نسبة الفتيات زادت على الشباب مما قد يقود نحو الفساد. أخذ يصب عليها الأسباب التي تجعل الزواج من ثانية نعمة، و أخذ يذكرها بطلبها الدائم لخادمة وها هو سيجلب لها أختا تساعدها في المنزل. و ما زاد اليوم غبرة، أنه طلب منها المال بحجة أن الزوجة الصالحة هي التي تساعد زوجها و أخذ يذكرها بالصبر و زوجات الرسول. تحطمت قوى أسماء على صخرة ترهات خالد و بكت كما لم تبك من قبل. كانت متعبة من كثرة التماسها له الأعذار، كانت تحس بالغدر و تحس بألم أعمق. أرادت أسماء الانتقام من نفسها و منه فطلبت الطلاق و خلعت النقاب و خلعت معه كل ارتباط لها بخالد. اتصلت أسماء بأحد شيوخ الدين الذين لم تتصل بهم منذ أن تزوجت و اشتكت له كما لم تشتك من قبل. قال لها الشيخ بأن خالد من الذين يرمون بأنفسهم على الدين وهو ليس منه في شيء، أخبرها بأن خالد ليس نموذجا للدين ولا يصوره، أخبرها بأن الدنيا بخير ولا يجب أن تقتم لأن نموذجا مشوها مثل خالد فيها. أخبرها بأن مالها حق لها وحدها و لها كامل الحرية في التصرف به كيفما شاءت، أخبرها أنه من حقها أن يكون لديها خادمة مادامت كانت تخدم في بيت أهلها، أخبرها بأنه من حقها أن يعطيها مصروفا شهريا كانت لا تعرف عنه شيئا، و أخبرها بأن الكتب التي تقرأ كانت حقيقية في زمن أفضل مع رجال أفضل، علمها أن الدين صرح و لا يجب أن لا نفقد قناعاتنا به لأن بعض النماذج المشوهة لم تحسن تطبيقه. كان على أسماء أن توقف خالد منذ البداية عند حده فهناك فرق بين المثالية و السذاجة و هناك فرق بين الملتزم الحقيقي و مدعي التدين. خالد و أمثاله من مدعى التدين يشوهون الصورة الحقيقية للدين و جماله. تعلمت أسماء درسها في وقت متأخر، وبعد أن كادت تفقد ثقتها بكل شيء جميل حولها، بدأت تتماسك بعد أن رأت بعض النماذج المشرفة لرجال حقيقيين، دون أن تفكر في الزواج مرة أخرى، و بقرار أن يكون عبد الرحمن طفلها الصغير النموذج الصحيح و الحقيقي للرجل الملتزم.